سورة ص - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (ص)


        


{وَآخَرُ} قرأ أهل البصرة: {وأُخر} بضم الألف على جمع أخرى، مثل: الكبرى والكبر، واختاره أبو عبيدة لأنه نعته بالجمع، فقال: أزواج، وقرأ الآخرون بفتح الهمزة مشبعة على الواحد، {مِنْ شَكْلِهِ} مثله أي: مثل الحميم والغساق، {أَزْوَاجٌ} أي: أصناف أخر من العذاب.
{هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ} قال ابن عباس: {هذا} هو أن القادة إذا دخلوا النار ثم دخل بعدهم الأتباع قالت الخزنة للقادة هذا يعني: الأتباع، فوج: جماعة مقتحم معكم النار، أي: داخلوها كما أنتم دخلتموها: والفوج: القطيع من الناس وجمعه أفواج، والاقتحام الدخول في الشيء رميًا بنفسه فيه، قال الكلبي: إنهم يضربون بالمقامع حتى يوقعوا أنفسهم في النار، خوفًا من تلك المقامع، فقالت القادة: {لا مَرْحَبًا بِهِمْ} يعني: بالأتباع، {إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ} أي: داخلوها كما صلينا.
{قَالُوا} فقال الأتباع للقادة: {بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَبًا بِكُمْ} والمرحب، والرحب: السعة، تقول العرب: مرحبًا وأهلا وسهلا أي: أتيت رحبًا وسعة، وتقول: لا مرحبًا بك، أي: لا رحبت عليك الأرض. {أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا} يقول الأتباع للقادة: أنتم بدأتم بالكفر قبلنا، وشرعتم وسننتموه لنا. وقيل: أنتم قدمتم هذا العذاب لنا، بدعائكم إيانا إلى الكفر، {فَبِئْسَ الْقَرَارُ} أي: فبئس دار القرار جهنم.


{قَالُوا} يعني: الأتباع {رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا} أي: شرعه وَسَنَّه لنا، {فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ} أي: ضعف عليه العذاب في النار. قال ابن مسعود: يعني حيات وأفاعي.
{وَقَالُوا} يعني صناديد قريش وهم في النار، {مَا لَنَا لا نَرَى رِجَالا كُنَّا نَعُدُّهُمْ} في الدنيا، {مِنَ الأشْرَارِ} يعنون فقراء المؤمنين: عمارًا، وخبابًا، وصهيبًا، وبلالا وسلمان رضي الله عنهم. ثم ذكروا أنهم كانوا يسخرون من هؤلاء، فقالوا: {أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا} قرأ أهل البصرة، وحمزة، والكسائي: {من الأشرار اتخذناهم} وصل، ويكسرون الألف عند الابتداء، وقرأ الآخرون بقطع الألف وفتحها على الاستفهام.
قال أهل المعاني: القراءة الأولى أولى؛ لأنهم علموا أنهم اتخذوهم سخريًا فلا يستقيم الاستفهام، وتكون {أم} على هذه القراءة بمعنى {بل} ومن فتح الألف قال: هو على اللفظ لا على المعنى ليعادل {أم} في قوله: {أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأبْصَارُ} قال الفراء: هذا من الاستفهام الذي معناه التوبيخ والتعجب {أم زاغت} أي، مالت {عنهم الأبصار} ومجاز الآية: ما لنا لا نرى هؤلاء الذين اتخذناهم سخريًا لم يدخلوا معنا النار؟ أم دخلوها فزاغت عنهم أبصارنا، فلم نرهم حين دخلوها.
وقيل: أم هم في النار ولكن احتجبوا عن أبصارنا؟
وقال ابن كيسان: أم كانوا خيرا منًا ولكن نحن لا نعلم، فكانت أبصارنا تزيغ عنهم في الدنيا فلا نعدهم شيئًا. {إِنَّ ذَلِكَ} الذي ذكرت {لَحَقّ} ثم بين فقال: {تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ} أي: تخاصم أهل النار في النار لحق.
{قُلْ} يا محمد لمشركي مكة، {إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ} مخوف {وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}.


{رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ}.
{قُلْ} يا محمد، {هُوَ} يعني: القرآن، {نَبَأٌ عَظِيمٌ} قاله ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، وقيل: يعني: القيامة كقوله: {عم يتساءلون عن النبأ العظيم} [النبأ:- 2].
{مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلإ الأعْلَى أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ} يعني: الملائكة، {إِذْ يَخْتَصِمُونَ} يعني: في شأن آدم عليه السلام، حين قال الله تعالى: {إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها} [البقرة: 30].
{إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ} قال الفراء: إن شئت جعلت {أنما} في موضع رفع، أي: ما يوحي إليّ إلا الإنذار، وإن شئت جعلت المعنى: ما يوحى إليّ إلا أني نذير مبين.
وقرأ أبو جعفر: {إنما} بكسر الألف، لأن الوحي قول.
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أخبرنا أبو منصور السمعاني، حدثنا أبو جعفر الرياني، حدثنا حميد بن زنجويه، حدثنا هشام بن عمار، حدثنا صدقة بن خالد، حدثنا عبدالرحمن بن يزيد بن جابر، قال مر بنا خالد بن اللجلاج، فدعاه مكحول فقال: يا إبراهيم حدثنا حديث عبد الرحمن بن عائش، قال: سمعت عبد الرحمن بن عائش الحضرمي يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «رأيت ربي عز وجل في أحسن صورة، فقال: فيم يختصم الملأ الأعلى يا محمد؟ قلت: أنت أعلم أي رب، مرتين، قال: فوضع كفه بين كتفي فوجدت بردها بين ثديي، فعلمت ما في السماء والأرض قال: ثم تلا هذه الآية {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين} [الأنعام:75] ثم قال: فيم يختصم الملأ الأعلى يا محمد؟ قلت: في الكفارات، قال: وما هن؟ قلت: المشي على الأقدام إلى الجماعات، والجلوس في المساجد خلف الصلوات، وإبلاغ الوضوء أماكنه في المكاره، قال: ومن يفعل ذلك يعش بخير ويمت بخير، ويكن من خطيئته كيوم ولدته أمه، ومن الدرجات إطعام الطعام، وبذل السلام، وأن يقوم بالليل والناس نيام، قال: قل اللهم إني أسألك الطيبات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لي، وترحمني، وتتوب عليّ، وإذا أردت فتنة في قوم فتوفني غير مفتون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تعلموهن، فوالذي نفس محمد بيده إنهن لحق».

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9